غني عن البيان أن السنة الشمسية هي مقدار الزمن الذي تدور فيه الأرض حول الشمس دورة كاملة ، فيما السنة القمرية هي تمام اثنتي عشرة دورة للقمر حول الأرض ، وَ العام ‘ ج’ أعوام ، يتضمن أربعةُ فصول السنة كاملة متوالية ، وَ يقال أن الحول هو السنة .
وَ من هنا يمكن القول أن العام وَ السنة وَ الحول ، ألفاظ تدل على الوحدة الزمنية المعروفة ، يعتقد البعض أنها في معنى واحد ، وَ كثير من الناس لا يجدون فرقاً في استخدام كلمات السنة وَ العام وَ الحول ، وَ يعتقدون أنها كلمات مترادفة ، لو استبدلت مواقعها لما تغير معناها .
إلاَّ أن لعلماء اللغة العربية رأي آخر في ذلك بقولهم : لا تفرقُ عوامُّ الناس بين َالعامِ وَ السَّنَةِ وَ يجعلونها بمعنى واحد ، فيقولون لمن سافر في وقتٍ من السنةِ أي وقتٍ كان إلى مثله ، ( عام ) وَ هو غلط ، وَ الصواب : السنةُ من أي يومٍ عددته إلى مثله ، وَ ( العام ) لا يكون إلاَّ شتاءً وَ صيفاً .
وَ ( العام ) حولٌ يأتي على شتوةٍ وَصيفةٍ ، وَ على هذا فأن ( العام ) أخص من السنة ، فكل عام سنةٌ ، وَ ليس كلُّ سنةٍ عاماً ، وَ إذا عددَت من يومٍ إلى مثله فهو سنةٌ ، وَ قد يكون فيه نصفَ الصيف وَ نصف الشتاء ، وَ العام لا يكون إلاَّ صيفاً وَ شتاءً متواليين .
أما الحول فهو يعني العام الذي يتم فيه فعل الشيء بلا انقطاع ، فمعناه يختلف عن معنى السنة ، وَ يختلف كذلك عن معنى العام ، لأن السنة وَ العام هي فترات زمنية يأتي خلال أي جزء منها الحدث أو الفعل ، وَ ليس شرطاً أن يكون الحدث أو الفعل فيه مستمراً بدون انقطاع .
وَ على الرغم أن الكثير منَّا لا يفرق في استخدام كلمتي السنة وَ العام ، إلاَّ أن استخدامنا لإحداهما محل الأخرى قد يعطي معنى مغايراً ، وَ لعَلَّ ما يسود في بعض المجتمعات قولهم : ” كل سنة وَ أنت سالم ” عبارة تحمل في مضمونها أو بين طياتها دعاء وَ أمنيات يقصد بها النجاة من الشدة وَ القحط . . ، وَ يحبذ آخرون تهنئة بعضهم في المناسبات وَ الأعياد بعبارة : ” كل عام وَ أنتم بخير ” ، وَ هي الجملة التي يتداولها السواد الأعظم من الناس ، لأن لفظ ” سنة ” ارتبط بالمشقة وَ الصعوبة . . ، وَ هذا ما يؤكده قول العرب في أمثالهم ( سِنُوّ يوسُفَ ) يُضرب في القحط وَ الشّدّة ، وَ كانت سبعاً متواترة ، وَ قيل السنة المجدبة ، أوقعوا ذلك عليها ، إكباراً لها وَ تشنيعاً وَ إستطالة ، وفق ما ذكر ابن منظور في لسان العرب .. ، وِ يقال هذه بلاد سنين ، أي جدبة . . ، وَ في ذلك يقول الطرماح :
بمنخرق تحن الريح فيه
حنين الجلب في البلد السنين
وَ في حديث الدعاء على قريش : ” أعني عليهم بسنين كسني يوسف ” ، وَ هي التي ذكرها الله تعالى في كتابه : {{ ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد }} أي سبع سنين فيها قحط وَ جدب .
وَ إذا كانت كلمة ( السنة ) أو ( السنين ) تدل على
الشدة وَ التعب وَ الدأب وَ الظلم وَ الطول ، فأن كلمة ( العام ) تعني العكس من ذلك ، إذ هي السهولة وَ اليسر وَ الرضاء وَ قصر المدة ، وَ هذا ما يتجلى بوضوح في الاستعمال القرآني للفظ ( عام ) فيما فيه خير غالباً ، وَ يتضح هذا في قوله تعالى : {{ ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وَ فيه يعصرون }} . يقول الزمخشري في الكشاف : {{ عام فيه يغاث الناس }} من الغوث ، أو من الغيث ، يقال غيث
البلاد إذا أمطرت ، {{ وَ فيه يعصرون }) يعصرون العنب وَ الزيتون ، وَ السمسم . . ، وَ قيل يحلبون الضروع ؛ وَ قيل يعصرون : أي يمطرون ، من أعصرت السحابة .
وَ هكذا نجد لفظ ( العام ) قد ارتبط بالغيث وَ الغوث وَ المطر وَ الرخاء ، على عكس ما جاء في دلالات لفظ السنة ، وَ أن التفرقة القرآنية في استعمال الكلمتين ليس وليد صدفة ، أو لعدم التكرار كما يرى البعض ، وَ إنما فرضت البلاغة العربية التي اتسمت بها لغة القرآن الكريم أن تستخدم كل منهما في الموضع المناسب .
وَ لعَلَّ هذا ما دفع بعضهم إلى القول أن السنة تتقيد
بقيود ثلاثة ، إذا نقص منها واحد كانت عاماً ، فالسنة تطلق إذا كانت معلومة المبدأ وَ المنتهى حساباً ( من أول كانون ثاني إلى آخر كانون أول ) ، أو في مثال آخر ( من أول محرم إلى آخر ذي الحجة ) .
وَ لابدَّ لانطباق السنة على العدد الذي تميزه أن يكون الفاعل الذي كانت السنة ظرفاً له حاضراً لظرفها حضوراً ما ، معايناً فيها شدة ما ؛ فإذا تخلف شيء من هذه القيود الثلاثة ( العدد ، الحضور ، الشدة ) فهو عام ، لأن العام أعم من السنة ، فلا يشترط له ما يشترط للسنة من تلك القيود .
وَ إذا عرفت يوم المبدأ وَ يوم المنتهى من شهر من سنة إلى ما يقابله من نظيره في السنة التالية فهو حول ، لأن الحول من التحول ، فهو يتتبع الأيام وَ يتحول عنها إلى ما بعدها .
لذا فالحول أخص من السنة باعتبار أن له بدءاً خاصاً من السنة المتعارفة عند الناس وَ منتهى خاصاً يناظره في القابل ، وَ السنة أخص من العام ، لأن السنة مقيدة بقيود تحرر منها لفظ العام .
فانظر إلى المعاني المستفادة من ثلاثة ألفاظ ، قد يراها بعضهم مرادفات مسمى واحد ، وَ لكنها ليست كذلك .
وِ كل عام وأنتم بخير . …../ بسام جبلاوي
Hits: 0